لسعادة هي جنة الأحلام التي ينشدها كل البشر ؛ ولكن السؤال الذي حيّر الناس من قديم : أين السعادة ؟؟
لقد طلبها الأكثرون في غير موضعها فعادوا كما يعود طالب اللؤلؤ في الصحراء صفر اليدين كسير القلب خائب الرجاء . نعم ؛ لقد جرب الناس في شتى العصور ألوان المتع المادية ، وصنوف الشهوات الحسية فما وجودوها تحقق السعادة .
لقد بحث عنها قوم في المال الوفير والعيش الرغيد فما وجودها ، وآخرون بحثوا عنها في المناصب العالية فما حصلوها ، وآخرون بحثوا عنها في الشهرة والجاه العريض فما ظفروا بها ... لماذا ؟؟؟
لأن السعادة شيء ينبع من داخل الإنسان يشعر به بين جوانبه فهو أمر معنوي لا يُقاس بالكم ، ولا يشترى بالدينار والدرهم ولا بكنوز الدنيا كلها ؛ بل هي صفاء نفس وطمأنينة قلب وراحة ضمير وانشراح صدر .
ولقد التبس على كثير من الناس اليوم معنى السعادة ، فظن الكثير منهم أن السعادة هي في علوم الحياة الدنيا من التكنولوجيا والتطور والتحرر التي وصل إليها الغرب .ونسوا أن السعادة في غير هذا وذاك .
ولقد لخص الإمام الغزالي – رحمه الله - أحوال الناس حول مفهوم السعادة فقال : " وطائفة ظنوا أن السعادة في كثرة المال والاستغناء بكثرة الكنوز، فأسهروا ليلهم وأتعبوا نهارهم في الجمع، فهم يتعبون في الأسفار طوال الليل والنهار ويترددون في الأعمال الشاقة ويكتسبون، ويجمعون ولا يأكلون إلا قدر الضرورة شحاً وبخلاً عليها أن تنقص، وهذه لذتهم وفي ذلك دأبهم وحركتهم إلى أن يدركهم الموت؛ فيبقى تحت الأرض أو يظفر به من يأكله في الشهوات واللذات؛ فيكون الجامع تعبه ووباله وللآكل لذته. ثم الذين يجمعون ينظرون إلى أملا ذلك ولا يعتبرون.
وطائفة ظنوا أن السعادة في حسن الاسم وانطلاق الألسنة بالثناء والمدح بالتجمل والمروءة؛ فهؤلاء يتعبون في كسب المعاش ويضيقون على أنفسهم في المطعم والمشرب ويصرفون جميع مالهم إلى الملابس الحسنة والدواب النفيسة، ويزخرفون أبواب الدور وما يقع عليها أبصار الناس حتى يقال إنه غني وإنه ذو ثروة ويظنون أن ذلك هو السعادة، فهمتهم في نهارهم وليلهم في تعهد موقع نظر الناس.
وطائفة أخرى ظنوا أن السعادة في الجاه والكرامة بين الناس وانقياد الخلق بالتواضع والتوقير، فصرفوا همهم إلى استجرار الناس إلى الطاعة لطلب الولايات وتقلد الأعمال السلطانية لينفذ أمرهم بها على طائفة من الناس، ويرون أنهم إذا اتسعت ولايتهم وانقادت لهم رعاياهم فقد سعدوا سعادة عظيمة، وأن ذلك غاية المطلب. وهذا أغلب الشهوات على قلوب الغافلين من الناس، فهؤلاء شغلهم حب تواضع الناس لهم عن التواضع لله وعن عبادته وعن التفكر في آخرتهم ومعادهم. الغزالي : الإحياء ج 2 ص 418.
والعاقل الفطن يرى أن القلوب لا تدرك السعادة إلا بسلامتها إذ قال تعالى " {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} سورة الشعراء : آية 89 . وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ كَانَتْ السَّعَادَةُ بِالْهَيَاكِلِ وَالصُّوَرِ مَا ظَفِرَ بِهَا بِلَالٌ الْحَبَشِيُّ وَحُرِمَهَا أَبُو لَهَبٍ الْقُرَشِيّ .
ويروى عن عبد الله بن سلام أنه حمل حزمة حطب فقيل له يا أبا يوسف قد كان في غلمانك وبنتك ما يكفيك! قال: أجل ولكن أردت أن أجرب نفسي هل تنكر ذلك؟ فلم يقنع منها بما أعطته من العزم على ترك الأنفة حتى جربها أهي صادقة أم كاذبة؟.
وكان قبله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إذا حدثته نفسه بإمارة المؤمنين جمع الناس وصعد المنبر وذكرهم بأيامه الأولى التي كان يرعى فيها الغنم على قراريط لأهل مكة وبأنه كان أجيرا عندهم , ولا يزال .
ولذلك لما سئل أحدهم عن السعادة، قال: " طول العمر في طاعة الله ".
فالسعادة الحقيقية هي في الإيمان والرضا واليقين وحسن التوكل على الله , وساعتها سيكون الإنسان في أمن وفي أمان وفي سكينة واطمئنان .
وإذا السعادة لاحظتك عيونها
واصطد بها العنقاء فهي حبائل
نم، فالمخاوف كلهن أمان
واقتد بها الجوزاء فهي عنان
وساعتها أيضا سيحس بالنجاح وتحقيق الآمال .
والمرءُ إن نالَ السّعادةَ أنجَحَتْ
ومتى تولّى عنه الحَظُّ فإنَّما
آمالُهُ وتيسَّرَ المُعتاقُ
خَفقُ الرِّكاب وراءه إخفاقُ
وقال الشابي
تَرجو السَّعادَةَ يا قلبي ولو وُجِدَتْ
ولا استحالتْ حياةُ النَّاسِ أجمعُها
إذا رزق الله السَّعادة عبدَهُ
في الكونِ لم يشتعلْ حُزْنٌ ولا أَلَمُ
وزُلزلتْ هاتِهِ الأَكوانُ والنُّظمُ
أقام إلى إسعاده السيفَ والقلمْ
فالسعيد من رزق طاعة ربه , وخوف ذنبه , وعاش على الطاعة , وجعل شعاره الرضا والقناعة