كعب بن مالك
هو كعب بن مالك بن أبي كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة -أبو عبد الله الأنصاري السلمي ويقال أبو بشير، ويقال أبو عبد الرحمن قال البغوي:حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي حدثنا هارون عن إسماعيل من ولد كعب بن مالك قال: كانت كنية كعب بن مالك في الجاهلية أبا بشير، فكناه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أبا عبد الله، ولم يكن لمالك ولد غير كعب الشاعر المشهور، وشهد العقبة وبايع بها، وتخلف عن بدر، وشهد أحدا وما بعدها، وتخلف في تبوك، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم.
شهد العقبة الثانية واختلف في شهوده بدرا ولما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين كعب وبين طلحة بن عبيد الله حين آخى بين المهاجرين والأنصار. وكان أحد شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يردون الأذى عنه وكان مجودا مطبوعا قد غلب عليه في الجاهلية أمر الشعر وعرف به. ولبس يوم أحد لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت صفراء ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وجرح كعب أحد عشر جرحاً. من ملامح شخصيته صدقه وشجاعته في قول الحق كانت شجاعة كعب في قوله الحق وصدقه عاملاً أساسياً في قبول توبته مهما أفضت هذه الشجاعة إلى نتائج في باديء الأمر إلا أنه أصر على أن يقول للرسول صلى الله عليه وسلم الحق ولم يحاول أن يختلق أعذاراً كغيره من المتخلفين ولما قبل الله توبته عاهد الله ألا يحدث إلا صدقا. ثباته على الحق لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمقاطعة الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك أتته رسالة من ملك غسان أن يُقدم عليه ويقول له بلغنا أن صاحبك قد جفاك فالحق بنا نواسك ولم تثنه هذه الرسالة على ترك المدينة بل قام بحرقها وقال هذا أيضاً من البلاء.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
موقفه في غزوة أحد ففي غزوة أحد ولما أشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرفه إلا كعب بن مالك فكان أول من عرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشرو! هذا رسول الله حي لم يقتل، فأشار إليه صلى الله عليه وسلم: أنصت.
وكان كعب بن مالك الأشجعي من الذين خلفوا عن غزوة تبوك وتاب الله عليه بصدقه وقوله الحق لرسول الله صلى الله عليه وسلم خلافاً للرجال الذين لم يشهدوا غزوة تبوك وتعذروا بأعذار كاذبة.
قال الإمام أحمد في حديث يرويه عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة غزاها قط إلا في غزاة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر ولم يعاتب أحدٌ تخلف عنها، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر. وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا، فخلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ، يريد الديوان. قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفي عليه ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظلال وأنا إليها أصعر، فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا، فأقول لنفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمر بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا وقلت أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه فغدوت بعد ما صلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض من جهازي شيئا، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فألحقهم وليتني فعلت، ثم لم يُقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق، أو رجلا ممن عذره الله عز وجل. ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال: وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سلمة: حبسه يا رسول الله برده والنظر في عطفيه، فقال معاذ بن جبل: بئسما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك، حضر بثي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا، فأجمعت صدقه. فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فيقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم ويستغفر لهم، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى، حتى جئت فلما سلمت عليه تبسَّم تبسُّم المغضب ثم قال لي: تعال، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلّفك؟ ألم تكن قد اشتريت ظهرك؟ فقلت: يا رسول الله إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلا، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم بحديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك بصدق تجد علي فيه إني لأرجو عقبى ذلك من الله عز وجل، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك، فقمت وقام إلي رجال من بني سلمة واتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت إلا أن تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون، فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، قال فوالله مازالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، قال: ثم قلت لهم: هل لقي معي هذا أحد؟ قالوا نعم، لقيه معك رجلان، قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: فمن هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العامري وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، لي فيهما أسوة، قال: فمضيت حين ذكروهما لي، فقال: ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف بالأسواق فلا يكلمني أحد، وآتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم وأقول في نفسي: أحرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي فإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه فوالله مارد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت، قال: فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فقال: الله ورسوله أعلم، قال: ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا أنا بنبطي من أنباط الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ قال فطفق الناس يشيرون له إلي، حتى جاء فدفع إلي كتابا من ملك غسان، وكنت كاتبا، فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، وأن الله لم يجعلك في دار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. قال: فقلت حين قرأتها: وهذا أيضا من البلاء، قال: فتيممت به التنور فسجرته به. حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني يقول: يأمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتزل امرأتك، قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ فقال: بل اعتزلها ولا تقربها، قال: وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك، قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما يشاء، قال: فجاءت امرأةُ هلال بن أمية رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن هلالاً شيخ ضعيف ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا، ولكن لا يقربك، قالت: وإنه والله ما به من حركة إلى شيء، وإنه والله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، قال: فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أدري ما يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته، وأنا رجل شاب، قال فلبثنا عشر ليال، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا، قال: ثم صليت صلاة الصبح صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا، قد ضاقت علي نفسي، وضاقت على الأرض بما رحبت، سمعت صارخا أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته: أبشر يا كعب بن مالك، قال فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء الفرج من الله عز وجل بالتوبة علينا، فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبيّ منشرون، وركض إليّ رجلٌ فرسا (على فرس)، وسعى ساع من أسلم (ماشياً) وأوفى على الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نزعت له ثوبيّ فكسوتهما إياه ببشارته لي، والله ما أملك يومئذ غيرهما، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بتوبة الله يقولون: ليهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد والناس حوله، فقام إلي طلحة بن عبد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة، قال
وللموضوع بقية