السلام عليكم
إنا لله وإنا إليه راجعون
بسم الله الرحمن الرحيم
ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين *
الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون *
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون*سورة البقرة الأيات 155-156-157
قوله تعالى "ولنبلونكم":
والمعنى لنمتحننكم لنعلم المجاهد والصابر علم معاينة حتى يقع عليه الجزاء،
وقيل: إنما ابتلوا بهذا ليكون آية لمن بعدهم فيعلموا أنهم إنما صبروا
على هذا حين وضح لهم الحق. وقيل: أعلمهم بهذا ليكونوا على يقين
منه أنه يصيبهم، فيوطنوا أنفسهم عليه فيكونوا أبعد لهم من الجزع،
وفيه تعجيل ثواب الله تعالى على العز وتوطين النفس.
و عن ابن عباس في قوله {ولنبلونكم...} الآية. قال:
أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر،
قوله تعالى: "بشيء" "من الخوف" أي خوف العدو والفزع في القتال،
قاله ابن عباس. وقال الشافعي: هو خوف الله عز وجل.
"والجوع" يعني المجاعة بالجدب والقحط، في قول ابن عباس.
وقال الشافعي: هو الجوع في شهر رمضان.
"ونقص من الأموال بسبب الاشتغال بقتال الكفار.
وقيل: بالحوائج المتلفة. وقال الشافعي: بالزكاة المفروضة.
"والأنفس" قال ابن عباس: بالقتل والموت في الجهاد.
وقال الشافعي: يعني بالأمراض. "والثمرات"
قال الشافعي: المراد موت الأولاد، وولد الرجل ثمرة قلبه،
كما جاء في الخبر، على ما يأتي. وقال ابن عباس: المراد قلة النبات وانقطاع البركات.
قوله تعالى: "وبشر الصابرين" أي بالثواب على الصبر.
والصبر أصله الحبس، وثوابه غير مقدر، لكن لا يكون ذلك
إلا بالصبر عند الصدمة الأولى، كما روى البخاري عن أنس
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى). ،
أي إنما الصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو
عند هجوم المصيبة وحرارتها، فإنه يدل على قوة القلب وتثبته
ولذلك قيل: يجب على كل عاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بد للأحمق منه بعد ثلاث.
وقال سهل بن عبدالله التستري: لما قال تعالى: "وبشر الصابرين"
صار الصبر عيشا. والصبر صبران: صبر عن معصية الله،
فهذا مجاهد، وصبر على طاعة الله، فهذا عابد. فإذا صبر عن معصية الله
وصبر على طاعة الله أورثه الله الرضا بقضائه،
وعلامة الرضا سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات.
الآيتان: 156 - 157 {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون،
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}
قوله تعالى: "مصيبة" المصيبة: كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه،
والمصيبة: النكبة ينكبها الإنسان وإن صغرت، وتستعمل في الشر،
روى عكرمة أن مصباح رسول الله صلى الله عليه وسلم انطفأ ذات ليلة فقال:
"إنا لله وإنا إليه راجعون" فقيل: أمصيبة هي يا رسول الله؟
قال: (نعم كل ما آذى المؤمن فهو مصيبة).
وعن أبي سعيد وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب).
قال أبو عمر: وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم،
لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة،
انقطع الوحي وماتت النبوة. وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك،
وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه. قال أبو سعيد:
ما نفضنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا.
ولقد أحسن أبو العتاهية في نظمه معنى هذا الحديث حيث يقول:
اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد
أو ما ترى أن المصائب جمة وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبة؟ هذا سبيل لست فيه بأوحد
فإذا ذكرت محمدا ومصابه فاذكر مصابك بالنبي محمد
قوله تعالى: "قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون"
جعل الله تعالى هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب، وعصمة للممتحنين:
لما جمعت من المعاني المباركة، فإن قوله: "إنا لله"
توحيد وإقرار بالعبودية والملك.
وقوله: "وإنا إليه راجعون" إقرارنا بالموت والبعث من قبورنا،
واليقين أن رجوع الأمر كله إليه كما هو له.
قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى:
لم تعط هذه الكلمات نبيا قبل نبينا، ولو عرفها يعقوب لما قال:
يا أسفي على يوسف.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة".
وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما يزال
المؤمن يصاب في ولده وحاجته حتى يلقى الله وليست له خطيئة".
وأخرج أحمد والطبراني عن عقبة بن عامر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"من أثكل ثلاثة
من صلبه فاحتسبهم على الله وجبت له الجنة"
قوله تعالى: "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة"
هذه نعم من الله عز وجل على الصابرين المسترجعين.
وصلاة الله على عبده: عفوه ورحمته وبركته وتشريفه
إياه في الدنيا والآخرة. وقال الزجاج: الصلاة من الله
عز وجل الغفران والثناء الحسن. ومن هذا الصلاة على الميت
إنما هو الثناء عليه والدعاء له، وكرر الرحمة لما اختلف
اللفظ تأكيدا وإشباعا للمعنى، كما قال:
"من البينات والهدى" [البقرة: 159]،
وقوله "أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم" [الزخرف: 80].
وقال الشاعر:
صلى على يحيى وأشياعه رب كريم وشفيع مطاع
وقيل: أراد بالرحمة كشف الكربة وقضاء الحاجة.
وفي البخاري وقال عمر رضي الله عنه:
نعم العدلان ونعم العلاوة:
"الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
أراد بالعدلين الصلاة والرحمة، وبالعلاوة الاهتداء.
وقيل: إلى إستحقاق الثواب وإجزال الأجر،
وقيل: إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن.
إنا لله وإنا إليه راجعون