غالبا ما ارتبطت صورة الخط العربي بالخطاطين من الرجال الذين ساهموا في تطوير أساليبه وأنماطه عبر التاريخ، بحيث بات الخط في عُرف الكثيرين حكرا على عالم الرجال.
ولكن وسط هذا الحضور الطاغي للرجل في عالم الخط، تسجل المرأة حضورا لها في هذا الحقل الإبداعي عبر أعمال تعكس خصوصيتها الأنثوية.
خصوصية إبداعية
ثمة لغة مشتركة بين الخط العربي والمرأة تخاطب العين من مفرداتها الجمال، والحسن، والفتنة، والبهاء، ولذا كان من الطبيعي أن يختزل حضور المرأة في عالم الخط هذا الحيز المشترك من خلال أعمال تقوم على لغة تعبيرية بصرية تشي بهذه الخصوصية.
وتوضح الخطاطة الإماراتية ماجدة المازم هذه الخصوصية عبر التأكيد على بعض نقاط الافتراق بين الرجل والمرأة على الصعيد الإبداعي في مجال الخط.
وتعتبر أنه من الطبيعي أن يكون هناك "اختلاف بين خط المرأة وخط الرجل".
وتقول: "دائما المرأة تتميز في اتجاهها مثلا نحو الألوان أكثر من الخط الكلاسيكي أو إلى إنتاج الخلفيات الملونة، إستخدام الورق الملون في الخط، اتجاهها إلى الزخرفة كعنصر مُكَمِّل وليس أساسيا للخط العربي".
وتضيف: "ولكن دائما النساء يتميزن يعني في الزخرفة الإسلامية، بما أنها فيها ألوان وفيها روح الميلان وأمور كهذه يعني".
طبيعة المرأة
وهذا الميل إلى الزخرفة ربما يكون السمة الأبرز في الأعمال الإبداعية للمرأة في مجال الخط العربي وهي سمة تتساوق مع طبيعة المرأة وفطرتها، وهو ما تلفت إليه الخطاطة والمزخرفة الإماراتية فاطمة سعيد.
وتقول فاطمة: "المرأة اليوم يمكن تتميز أكثر عن الرجل في عالم الخط بأنها مُزَخرِفَة؛ شريحة أكبر من قسم النساء مُزَخرِفات".
وتشير إلى أن اللوحات التي تخطها ريشة الخطاطة يتبدى من خلالها "العنصر الجمالي واللوني والزخرفي"، إلا أنها تستدرك بأن ذلك قد لا يكون بالضرورة شرطا ملازما لأعمال الخطاطات قاطبة، وإن كان سمة غالبة لها.
وفيما يتعلق بميل المرأة إلى الألون، تلمح فاطمة إلى أن المرء "نادرا ما يرى امرأة لوحتها أبيض وأسود أو بيج وأسود".
وتضيف بلهجة جازمة: "لازم تحط لون".
وتفسر ذلك بأنه "يناسب طبيعة المرأة التي تحب التزيين والألوان والعناصر الجمالية هذه".
نزعات أسلوبية
هذه الخصوصية الجمالية التي تنزع إلى تغليب العنصر اللوني والزخرفي، تتجلى في أعمال المرأة الخطاطة بميلها إلى ما هو مطواع من بين أساليب الخط المختلفة.
في هذا السياق، تشير ماجدة إلى أنه على الرغم من أن إسهام المرأة "يشمل جميع أساليب الخط"، فإن "أكثر النساء يتجهن إلى الخطوط الناعمة السلسة".
وتقول فاطمة إن معظم الخطاطات يملن إلى الخط "الديواني"، و"الجلي ديواني" و"الثلث" لتميز هذه الأساليب "بالمطواعية والتمايل والتناسق".
وتوضح قائلة: "يتميز الجلي ديواني والثلث بأنه يعني مطواع، لأن هذا الخط يتركب في جميع الأشكال: الدائري، المربع، البيضاوي، بأي شكل من الأشكال".
عقبات ومصاعب
ورغم ما حققته المرأة من حضور في عالم الخط العربي، ما يزال أفق عملها الإبداعي ملبدا ببعض العقبات، وهي في مجملها نابعة من موروثات وأعراف اجتماعية.
إلا أن الخطاطة ماجدة المازم مؤمنة بقدرة المرأة على تخطي هذه العقبات.
وتقول ماجدة: "شيء طبيعي أنه دائما الرجل مُتاح له المجال أكثر من المرأة، سواء في الخط العربي أو في أي مجال فني آخر يعني".
وتضرب مثلا على المصاعب التي تعترض سبيل الخطاطات من النساء بإضطرارهن أحيانا إلى التواجد "مع هذا الكم الهائل من الخطاطين الرجال".
إلا أنها تستدرك قائلة: "هذه كلها عقبات بالنسبة لي أحسها أمورا صغيرة".
وهي تعتقد بأن بإمكان المرأة أن تتخطى هذه العقبات كلها "مع الإصرار ومع إثبات وجودها في هذا المكان".
تحدي
والإصرار على إثبات الوجود يشي بنوع من التحدي الكامن في عملية دخول المرأة الإماراتية في معترك العمل الإبداعي في مجال الخط.
هذا التحدي تتحدث عنه فاطمة قائلة: "أشعر بالفخر، أشعر بالتحدي، بأن أخوض هذا المجال الصعب؛ مجال كان حكرا لسنوات طويلة على الرجال، وما زال".
وتردف قائلة: ":إنشاء الله نكون من المتقدمات في خوض مجال الخط ونصبح خطاطات بإذن الله، إنشاء الله".
وتتساءل: "ولِمَ لا؟ المرأة قادرة على أن تتخصص في جميع التخصصات، الفنية وغير الفنية".
وهكذا، ومع أن هناك قدرا من التحدي يكتنف العملية الإبداعية بشكل عام، فثمة لون خاص من التحدي يطعّم تلك اللوحة التي ترسمها أعمال الخطاطات المبدعات لدور المرأة في مجال الخط العربي، وهو جزء من تحد أكبر لإثبات الذات والهوية والدور الاجتماعي.