* مدخل وتقديم:
- إن
المتأمل في حاضر المسلمين اليوم، وما جعلهم يصلون إلى ما هم عليه من ضعف
وفرقة يجده مشابهاً ومقارباً لحالهم يوم أن كانوا يتربعون على عرش الأندلس،
فيرى نفس أسباب الهزيمة ونقاط الضعف وإهمال فرص الريادة والقوة والوحدة،
مع اختلاف الجغرافيا والمسميات.
- لهذا نضع هذه الدراسة الشاملة لتاريخ الأندلس بين يدي القراء علّها تنبه الغافل وتذكر العاقل وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت. د. طارق السويدان.
* التاريخ دروس وعبر:
- تعيش
الأندلس ومثلها كل أرض المسامين في شعور كل مسلم حقاً، يتحرق شوقا إليها،
وينتظر يوم يأتي ليجمع شمل المسلمين، ويوحد أرضهم، ويحرر ديارهم التي ما
زال بعضها تناديهم: أين المسلمون؟!.
* الحديث عن الأندلس:
- على
الصفحات القادمة سنكتب شيئاً عن الأندلس، وصفها بعضهم بالمفقود، ونعتها
آخرون بالسقوط، وآخرون بغروب الأندلس، صفحات من التاريخ الأندلسي بما فيه
من عزة وأمجاد، وبما يتضمن من مرارات وضياع، لعلنا أن نعيد الذكرى، ونعرف
ماضينا فنتعظ، فنحن أولى الناس بالأندلس.
- ويكاد
في عصرنا معظم الناس وبخاصة المثقفون منهم يجهلون تاريخ الإسلام
والمسلمين، فيجهلون سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويجهلون سيرة الأفذاذ
من مشاهير المسلمين، ولا يكادون يسمعون عنهم إلا أسماء، فلو سألت أكثرهم
عن النعمان بن مقرن المزني لجهلوه، ولو سألتهم عن معركة نهاوند التي تضاهي
القادسية لوّوا رؤؤسهم عجباً! أو سألت عن عقبة بن نافع الفهري، أو الحاجب
المنصور لعجبت من الجهل والصمت وقلة المعرفة أيضاً.
- وبالعكس
يكاد يحفظ عن ظهر قلب عن نابليون وحروبه، وكازانوفا ومغامراته، وعن
الأميرال نيلسن وأساطيله... بل يحفظ نجوم كرة القدم، ونجوم الرقص
والغناء...
فقدنا عزنا لما رأينا يسود بلادنا الرقصُ الغناء
- ولعل
كلمة خيانة المثقفين أن تكون أبلغ تعبير عن حالتنا التي تهب عليها رياح
العولمة العاتية التي تريد أن تدمر كل شيء يخص أمتنا, كما قال الشاعر:
أنا من أمة أفاقت على العزِ وأغفت مغموسة بالهوان
* أولاً: مدخل إلى الفتوحات الإسلامية:
- دراسة
التاريخ العسكري والحروب بشكل خاص ضرورة لكل قائد سياسي أو عسكري فلا بد
أن يعرفها واعياً مستفيداً فالتاريخ يعيد نفسه وإنما تختلف الألوان
والمظاهر، فالأرض هي الأرض، والإنسان هو الإنسان، وحقيقة مجريات الحوادث في
كل زمان واحدة، قال تعالى:{ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ } البقرة:251.
- لقد
كادت الحياة كلها تأسن وتتعفن لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، ولولا أنّ
في طبيعة الناس التي فطرهم الله عليها أن تتعارض مصالحهم واتجاهاتهم
الظاهرية القريبة لتنطلق الطاقات كلها، فتنفض عنها الكسل والخمول، وتستجيش
ما فيها
من مكنونات مذخورة، وتظل أبداً يقظة عاملة مستنبطة لذخائر الأرض مستخدمة
قواها، وفي النهاية يكون الصلاح والخير والنماء بقيام الجماعة الخيرة
المهتدية المتجردة، تعرف الحق الذي بينه الله لها.
خصمان في ربهم شأنُ الصراعِ هنا تلك الحقيقةُ ليسَ الماءُ والخبزُ
منذُ الخليقةِ قادَ الناسَ دينُهمُ وخابَ منَ ربَّه الطاغوتُ والكنزُ
- وكم
في التاريخ موجات من الحروب لم تكن تحمل الحق، وإنما أشعلتها الفتن
والأهواء، حملت الخراب إلى العالم، وما الحربان العالميتان ببعيدتين عن
ذاكرة الناس، وكذلك الرومان قد حملوا الفساد إلى الأرضي التي دخلوها، ولا
تخفى حملات الصليبيين والمغول وآثارها على العالم الإسلامي، وما الاستعمار
الحديث ثم العولمة إلا امتداد للفساد والاستكبار في الأرض بغير الحق.
ظلم الصليبيين واستعبادهم للناس وفرض الأتاوات عليهم بغير وجه حق قبل وصول الإسلام إلى الأندلس
* نشر النور:
- وما
كان المسلمون في جميع الجبهات متفوقين على الأعداء بالعتاد والرجال، ولا
كانوا ذوي حروب ضخمة متوارثة، إنما كانوا أصحاب عقيدة، ورجال مبادئ وعقيدة،
ثم ما كانت مقومات الانتصار هي المعتمد ولا كان الانتصار هو الغاية، بل
كانت غايتهم فتح القلوب وإزالة الحجب الكثيفة عنها ليصل إلى شغافها هدى
الله سبحانه. وأن لا يقفوا بفتحهم إلا حيث تعوقهم صحراء أو بحر أو مانع
طبيعي من الزمن.
- أما
الفتوحات الإسلامية فتختصر بجملة واحدة: هي إزالة الحواجز التي تحول دون
وصول النور الرباني إلى عامة الناس، ولتكون كلمة الله هي العليا، ولتكون
العبودية لله خالق الناس، ولتخرج الناس من عبودية البشر للبشر، ولعمارة
الأرض بعد الخضوع لله الذي استخلف الناس عليها.
- قال تعالى:{ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا
} هود:61، من أجل استخدام القوانين والنواميس الأرضية لتطوير الحياة على
الأرض، ومواصلة العمران وتحقيق الرفاهية والعدل دون النظر إلى لون أو عرق
أو نسب.
- لذلك
نشر الفتح الإسلامي النور للعالمين، وبين لهم الغاية الأساسية لوجودهم
ومهمتهم في الكون، فكانت الفتوحات التي فتحت الحدود أمام نور لله ليأخذ
طريقة إلى القلوب فكانت في حقيقتها فتحاً للنفوس والقلوب قبل فتح البلدان.
- هذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرح قلبه الكبير بسورة الفتح، بالفتح
المبين، وبالمغفرة الشاملة، وبالنعمة التامة، وبالهداية إلى صراط الله
المستقيم، وبالنصر العزيز الكريم، وفرح برضى الله عن المؤمنين، فقال عليه
الصلاة والسلام
أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي.
- وكان
هذا الفتح فتحاً في الدعوة، فأمن الناس بعضهم بعضاً، وسمع من لم يسمع
بالإسلام من قبل، وكان فتحاً في الأرض بعد ذلك إذ فتحت حصون خيبر، وكان
فتحاً بين المسلمين والمشركين في قريش وسائر المشركين من حولها، وعمّ
الإسلام الجزيرة بعده.
وتوفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 11
للهجرة، وولي أبو بكر الخلافة رضي الله عليه وسلم، فارتدت معظم القبائل في
شبه الجزيرة العربية، وكانت حروب الردة التي عمت الجزيرة العربية التي
انتهت في كل الجبهات بترسيخ الإسلام، وأظهرت قيادات جديدة، ودلت على طاقات
كامنة، ولعلها كانت تمهيداً للفتوحات.
- واستمر
الفتح على جبهتي فارس والروم، وانتهت دولة الفرس، ومزق الله ملك آل ساسان،
وفتحت أجزاء كبيرة من الإمبراطورية الرومانية، وعم الفتح حتى وصل الصين
وعبر حدود ما وراء النهر، واجتاز جبال طوروس مصر زمن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه، ثم استمرت الفتوحات زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ومن بعده.
ومن ثم زمن التابعين الذين هم خير القرون بعد قرن الصحابة.