السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
قال ابن القيم في كتابه الداء والدواء : وقد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم والأئمة على أن من الذنوب صغائر وكبائر : فمن الكتاب قوله جل وعلا
( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) النساء 31 وقوله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) النجم 32 ، ومن السنة في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) وهذه الأعمال المكفرة لها ثلاث درجات :
الأولى : أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها وضعف القيام بحقوقها ، بمنزلة الدواء الضعيف الذي ينقص عن مقاومة الداء كميةً وكيفية .
الثانية : أن تقاوم الصغائر لكنها لا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر .
الثالثة : أن تقوى على تكفير الصغائر وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر .
فتأمل هذا رحمك الله فإنه يزيل عنك إشكالات كثيرة .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا بلى يا رسول الله ، فقال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور ) وعنه أيضا قال ( اجتنبوا السبع الموبقات ، قيل : وما هن ؟ قال : الإشراك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) وعنه أيضا أنه سئل : أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : أن تدعو لله ندا وهو خلقك ، قيل ثم أي ؟ قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ، قيل ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ، فأنزل الله تعالى تصديقها في كتابه :
( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون)
اختلاف الناس في الكبائر على قولين : منهم من قال بحصرها ، والذين قالوا بحصرها اختلفوا في عددها : فابن مسعود قال : هي أربع وابن عمر قال : هي سبع ، وابن عمرو بن العاص قال : هي تسع ، وقال غيرهم هي أحدى عشرة ، وقال آخر هي سبعون ، وقال أبو طالب المكي : جمعتها من أقوال الصحابة فوجدتها أربعة في القلب وهي : الشرك بالله ، والإصرار على المعصية ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، وأربعة في اللسان وهي : شهادة الزور ، وقذف المحصنات ، واليمين الغموس ، والسحر ، وثلاثة في البطن وهي : شرب الخمر ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، واثنتان في الفرج وهما : الزنى واللواط ، واثنتان في اليدين وهما : القتل والسرقة ، وواحدة في الرجلين وهي : الفرار من الزحف ، وواحدة تتعلق بجميع البدن وهي : عقوق الوالدين .
أما من لم يقل بحصرها : منهم من قال : كل ما نهى الله عنه في القرآن فهو كبيرة وما نهى عنه رسوله فهو صغيرة
ومنهم من قال : ما اقترن بالنهي عنه وعيد من لعن أو غضب أوعقوبة فهو كبيرة ، وما لم يقترن به شيء من ذلك فهو صغيرة ، وقيل أيضا : كل ما ترتب عليه حد في النيا أو وعيد في الآخرة فهو كبيرة وما لم يترتب عليه لا هذا ولا هذا فهو صغيرة وقيل : هي كل ما ذكر في أول سورة النساء إلى آية ( 31 ) أما من لم يقسموها إلى صغائر وكبائر قالوا الذنوب كلها بالنسبة إلى الجرأة على الله ومعصيته ومخالفة أمره كبائر
فلا تنظر إلى كبر الذنب وصغره في نفسك ولكن انظر إلى عظمة وقدر من عصيت وانتهكت حرمته بالمعصية