صِيدَةُ هَذا المَسَاءْ (٭)
قَصِيدَةُ هَذا المَسَاءْ ...
رِثـَـــاءْ ...
وفكْرَةُ شِعْرِ الرِّثـَاءِ تَقُومُ عَلَى أنَّ مَوْتَ الأحِبَّةِ يَعْني الفَنَاءْ ... !
فَيُصْبـِحُ شِعْرُ الرِّثـَاءِ مُجَامَلَةً للذينَ مَضَوا
أو مُحَاوَلَةً لامْتِدَادِ البَقَاءْ ...
وشِعْرُ الرِّثـَاءِ اتِّفَاقٌ قَديمٌ - تَوَرَّطَ فيهِ الجَميعُ -
فَتَبْذُلُ فيهِ القَوافـي الدُّمُوعَ لكَيْ تَسْتَدِرَّ البُكَاءْ ...
كَأنَّ جَميعَ البُكَاءِ وَفَاءْ ... !
وشِعْرُ الرِّثـَاءِ يُهَاجِمُ مَنْ لَمْ يَمُوتُوا ( إلى أنْ يَمُوتُوا )
ويَمْدَحُ مَوْتَ الذينَ مَضَوْا
ثُمَّ يَرْفَعُ بَعْضَ الدُّعَاءْ ...
كَأنَّ جَميعَ الدُّعَاءِ يُلاقي قَبُولَ السَّمَاءْ ... !
وشِعْرُ الرِّثـَاءِ دُمُوعٌ تُعَزِّي الأحِبَّةَ
كَيْ يَسْتَكِينوا لحُكْمِ القَضَاءْ ...
كَأنَّ جَميعَ الدُّمُوعِ عَزاءْ ... !
قَصِيدَةُ هَذا المَسَاءْ ...
رِثـَــاءْ ...
وفيهَا مِنَ الشِّعْرِ أكْثـَرُ مِمَّا أُريدُ وأكْثـَرُ مِمَّا أشَاءْ ...
قَصِيدَةُ هَذا المَسَاءْ ...
رِثـَــاءْ ...
ولَيْسَتْ كَكُلِّ الرِّثـَاءْ ... !
٭ ٭ ٭
٭ مَـــديــــحٌ
مَدِيحُكَ عِبْءٌ عَلَى المَادِحِينَ
لأنَّ المَدِيحَ تَلَوَّثَ عَبْرَ السِّنينَ بكُلِّ خَطَايَا الوُلاةِ
وكُلِّ ذُنُوبِ الدَّرَاهِمِ عَبْرَ زَمَانِ القَصِيدِ الجَريحْ ...
أرَى الشُّعَرَاءَ تُبَالِغُ حِينًا
وتَكذِبُ حِينًا
وتَصْدُقُ فـي وَاحِدٍ مِنْ أُلُوفِ بُيُوتِ المَدِيحْ ...
مَدِيحُكَ عِبْءٌ عَلَى المَادِحِينَ
لأنَّ القَصِيدَةَ قَدْ تَشْرَئِبُّ لِتُدْرِكَ أكْثـَرَ مِمَّا تَرى العَيْنُ
لَكِنْ مَديحُكَ مَهْمَا تَضَخَّمَ سَوْفَ يَظَلُّ كَوَصْفٍ ضَئيلٍ
إذا قَارَنُوهُ بـِمَا شَاهَدُوهُ
فَيُمْسِي مَدِيحُكَ مِثـْلَ مُقَارَنَةٍ بَيْنَ شَخْصٍ صَحِيحٍ
وشَخْصٍ كَسِيحْ ...
مَدِيحُكَ عِبْءٌ عَلَى المَادِحِينَ
فَلَيْسَ بـِهِ مِنْ جَديدٍ ...
مَدِيحُكَ يَمْنَحُ فَضْلَكَ بَعْضَ المَجَازِ
وأنْتَ الفَضِيلَةُ حِينَ تَلُوحُ بـِشَكْلٍ صَريحْ ...
مَدِيحُكَ عِبْءٌ عَلَى المَادِحِينَ
لأنَّ البَلاغَةَ تُلْقِي عَصَاهَا أمَامَ الجُمُوعِ
فَيَحْسَبُهَا النَّاسُ تَسْعَى
ولَكِنْ صِفَاتُكَ تَلْقَفُ مَا قَدْ أفَكْنَا
كَريشَةِ وَهْمٍ تُوَاجِهُ هَبَّةَ ريحْ ... !
مَدِيحُكَ عِبْءٌ عَلَى المَادِحِينَ
لأنَّ المَدِيحَ افْتِعَالُ الفَضَائِلِ لا فِعْلُهَا
فَمَدْحُكَ قَوْلٌ رَكيكٌ وأنْتَ المَقَالُ الفَصِيحْ ...
مَدِيحُكَ عِبْءٌ عَلَى المَادِحِينَ
لأنَّ مَدِيحَكَ هَجْوٌ لِكُلِّ الذينَ ارْتَضَوا نِصْفَ حُرِّيَّةٍ
أو كَمَالَ السُّجُودِ
( ولَيْسَ المَقَامُ مَقَامَ الهِجَاءِ )
لذلِكَ بَعْضُ المَدِيحِ يُريحُ
فَمَدْحُ الضِّيَاءِ الجَمِيلِ
هِجَاءُ الظَّلامِ القَبيحْ ...
مَدِيحُكَ عِبْءٌ عَلَى المَادِحِينَ
ولَكِنْ سَأمْدَحُ كَيْ أسْتَريحْ ... !
رَأيْنَاكَ نَحْوَ الشَّمْسِ فـي الليْلِ سَاعِيا
تُعَانِدُكَ الدُّنْيَا ومَا زلْتَ مَاضِيا
كَأنَّكَ سُحْبُ العَدْلِ فَوْقَ بـِلادِنَا
فَتَعْطَشُ غيطَانٌ وكَمْ كُنْتَ سَاقيا
حَفَرْتَ بهَذي الأرضِ مَجْرى تَحَرُّرٍ
ونَهْرُ زُحُوفِ الخَيْرِ يَهْدِرُ جَاريا
فَتَرْسُمُ بالأقْوَالِ خُلْدًا مُحَقَّقًا
وتَمْنَحُ بالأفْعَالِ فَجْرًا مُوَاتِيا
وتَرْفُلُ فـي ثـَوْبٍ مِنَ الحَقِّ سَابـِغٍ
وغَيْرُكَ يَبْدو بالرِّيَاسَةِ عَاريا
ويُهْجَى بـِكَ الأعْدَاءُ رَغْمَ جُيُوشِهِمْ
ولَمْ تَكُ فـي يَوْمٍ مِنَ الدَّهْرِ هَاجيا
وتَقْضِي بإعْدَامِ الخَفَافيشِ جَهْرَةً
وحُكْمُكَ مَمْهُورٌ ... ولَمْ تَكُ قَاضيا !
وتَحْسَبُكَ الأجْنَادُ تَخْشَى سِلاحَهَا
وتُبْصِرُكَ الأحْبَابُ كَالدِّرْعِ وَاقيا
فَتَحْسَبُكَ الأعْدَاءُ بالبُغْضِ قَاصِيًا
وتَنْظُرُكَ الأحْبَابُ بالحُبِّ دَانِيا !
تُحِيطُ بـِكَ الأحْبَابُ تَحْميكَ مِنْ رَدًى
ومَا زِلْتَ للأحْبَابِ بالحَقِّ حَامِيا
فَتَظْهَرُ فـي فِعْلِ الشَّجَاعَةِ آمِرًا
وتَظْهَرُ فـي فِعْلِ التَّرَاجُعِ نَاهِيا
رَحَلْتَ ولَمْ تَتْرُكْ فَضِيلَةَ فَارسٍ
كَأنَّ جِهَادَ الحِبْرِ مَا كَانَ كَافيا
رَحيلُكَ لا يُعْطِي الطُّغَاةَ سَكِينَةً
فَمِنْكَ غَدا شَعْبُ الكِنَانَةِ وَاعِيا
٭ ٭ ٭
٭ فـُكَـاهَـة
بـِرَبِّكَ كَيْفَ تَكُونُ الحَياةُ كَسِلْسِلَةٍ مِنْ نِكَاتٍ
تُمَارِسُ فيهَا الكِفَاحَ ولا تَسْتَكِينْ ؟!
تُوَاصِلُ مَعْرَكَةَ الحَقِّ عَبْرَ السِّنينْ ...
وتَضْحَكُ والسَّرَطَانُ يُقَطِّبُ مِنْكَ الجَبينْ ... !
تَزيدُ عَلَيْكَ الهُمُومُ وأنْتَ تُواصِلُ دَكَّ حُصُونِ التَجَهُّمِ مِنْ
خَنْدَقِ الضَّاحِكينْ ... !
أُحِسُّ بأنَّ رَحِيلَكَ سُخْريَةٌ
نـُكْتَةٌ
مَقْلَبٌ
صُغْتَهُ كَيْ تُرَوِّحَ عَنَّا بـِهَذا الزَّمَانِ الحَزينْ ...
أُحِسُّ بأنَّكَ سَوْفَ تُفَاجِئُنَا عَابـِرًا بَابَ قَاعَةِ تَأبينِنَا
ثُمَّ تَضْحَكُ مِنَّا تَقُولُ :
« ضَحِكْتُ عَلَيْكُمْ
سَأبْقَى كَأنِّي رَئيسٌ لَعِينْ ... » !!!
إذا كَانَ هَذا مِزَاحًا
فَيَكْفي ...
ووَعْدًا بأنـَّا سَنَضْحَكُ إنْ عُدْتَ
فَارْجِعْ لَنَا الآنَ يَا سَيِّدَ السَّاخِرينْ ... !
٭ ٭ ٭
يُغَرِّدُ مِثـْلَ اليَقينِ يُشَكِّكُ فـي شَكِّنا ...
يُغَرِّدُ رَغْمَ نَقيقِ الضَّفَادِعِ يَعْلُو بكُلِّ الإذاعَاتِ
مِدْفَعَ قُبْحٍ يُصِرُّ عَلَى دَكِّنا ... !
يُغَرِّدُ بُلبُلَ حَقٍّ وحُسْنٍ
فَيَغْسِلُ وَجْهَ الصَّبيحَةِ مِنْ فَوقِ شُبَّاكِنَا ...
ويَبْقَى كَبيرُ الضَّفَادِعِ يُقْسِمُ أنَّ البَلابـِلَ
رِجْسٌ يَتُوقُ لإهْلاكِنَا ...
رُوَيْدَكَ يَا مُلْهِمَ اليَائِسِينَ التَّفَاؤُلَ
كَيْفَ زَرَعْتَ التَّفَكُّرَ فـي ضِحْكِنا ... ؟
وكَيْفَ دَفَعْتَ الضِّيَاءَ لأفْلاكِنَا ... ؟
وكَيْفَ رَفَعْتَ الإرَادَةَ مِنْ دَرْكِنَا ... ؟
وكَيْفَ رَسَمْتَ تَحَرُّرَنَا فـي خَريطَةِ إدْرَاكِنا ... ؟
بـِفَضْلِكَ صَارَ الشُّرُوقُ بـِرَغْمِ تَسَلُّطِ إظْلامِنَا مُمْكِنا ... !
كَأنَّكَ جَدٌّ وأحْفَادُهُ حَوْلَهُ يَسْمَعُونَ حِكَايَةْ ...
نَرى كُلَّ جَدٍّ يَقُصُّ الأقَاصِيصَ
كَيْما يَنَامَ الصِّغَارُ قُبَيْلَ النِّهَايَةْ ...
وأنْتَ تَقُصُّ عَلَيْنَا الحِكَايَةَ مَوْسُوعَةً كَيْ نُفِيقَ
وتَغْزِلَ مِنَّا البـِدَايةْ ...
فَتَحْكِي ...
وتَحْكِي ...
وتَحْكِي ...
كَأنَّكَ شَيْخٌ يُوَضِّحُ إعْجَازَ آيَةْ ...
ويَهْتِفُ كُلُّ صِغَارِكَ فـي آخِرِ الحَكْيِ
فَوْقَ السَّلالِمِ أو فـي المَيَادينِ
دَوْمًا ...
( كِفَايَةْ ) ... !
تَنَقَّلْتَ بَيْنَ دُرُوبِ الحَقيقَةِ
مِثـْلَ الفَرَاشَةِ فَوْقَ زُهُورِ الحَدِيقَةِ
حَتَّى غَدَوْتَ لكُلِّ التَّلاميذِ شَيْخَ الطَّرِيقَةِ
والنَّارُ تَأكُلُ حَقْلَ الوَطَنْ ... !
ويَخْشَاكَ سَاكِنُ قَصْرِ التَّيَاسَةِ
يَخْشَاكَ أذْنَابُ بَهْوِ الرِّيَاسَةِ
يَهْوَاكَ شَعْبٌ تَعَذَّبَ فـي رُدُهَاتِ السِّيَاسَةِ
حَتَّى رَأيْنَاكَ فَرْدًا بـِحَجْمِ الزَّمَنْ ...
رَدِيفُكَ فَوْقَ حِصَانِ المَعَالي « هُدى » ... /
وضِحْكُكَ مِنْقَارُ حُبٍّ
يُعِيدُ التِقَاطَ السُّرُورِ مِنَ الحُزْنِ عَبْرَ المَدَى ... /
تَآمَرَ حُزْنُ السِّنِينَ عَلَى النَّاسِ
ثـُمَّ أتَيْتَ فَضَاعَ تَآمُرُ كُلِّ الدُّمُوعِ سُدى ... /
تَسِيرُ ارْتِجَالاً
ولَسْتَ بـِمُخْلِفِنَا مَوْعِدا ...
كَبُرْتَ أمَامَ العَدُوِّ
كَبُرْتَ أمَامَ الصَّديقِ
كَبُرْتَ أمَامَ الخُصُومِ
كَبُرْتَ أمَامَ النَّصِيرِ
وحينَ رَحَلْتَ
رَأيْنَا سَمَاءَ المَدِينَةِ أصْغَرَ مِنْ أنْ تَكُونَ الكَفَنْ ... !
٭ ٭ ٭
٭ حُــــــزن
أنَا لَسْتُ أزْعُمُ أنَّ حَرَارَةَ دَمْعِي تَزيدُ
عَلَى أيِّ فَرْدٍ بَسِيطٍ مِنَ العَاشِقِينْ ...
ولَيْسَتْ قَصِيدَةُ هَذا المَسَاءِ دَليلاً عَلَى الحُزْنِ
فالحُزْنُ - كَالحُبِّ والكُرْهِ - سِرٌّ دَفِينْ ...
ورُبَّ حَزينٍ تَرَاهُ يُصَنَّفُ فـي الضَّاحِكينْ ...
ورُبَّ ضَحُوكٍ بقَلْبٍ حَزينْ ...
سَأُغْلِقُ بَابَ مَزَادِ الدُّمُوعِ بـِرَغْمِ تَذَمُّرِ بَعْضٍ مِنَ السَّامِعِينْ ... !
دَوَافِعُنَا للحُـــــــزْنِ تُلْهِمُنَا الصَّبْرَا
كَسَيْلٍ بأرْضِ الصَّخْرِ خَطَّ لَهُ مَجْرى
دَوَافِعُنَا للحُــــــــزْنِ تَكْتُبُ شِعْرَهَا
كَأنَّ دُمُوعَ الذَّارِفينَ غَدَتْ حِبْرا
تُلاعِبُنَا الأشْوَاقُ مِثـْلَ قَصِيدَةٍ
تَحُطُّ عَلَى سَطْرٍ وقَدْ تَرَكَتْ سَطْرا
فَفي سَاعَةٍ نَبْكِي ... ونَكْتُمُ سَاعَةً
كَأُرْجُوحَةٍ بَيْنَ التَّشَاؤُمِ والبُشْرى
يَضِيقُ عَلَيْنَا الحُزْنُ رَغْمَ يَقِينِنَا
كَزِنْزَانَةٍ سَوْدَاءَ نَحْنُ بـِهَا أسْرى
دَوَافِعُنَا للحُـــــزْنِ نِيلٌ وأزْهَرٌ
كَأنَّ دُمُوعَ الحُزْنِ قَدْ غَمَرَتْ مِصْرَا
ويَمْتَدُّ حُزْنُ الأرْضِ للقُدْسِ مِثـْلَمَا
يَسِيرُ غَمَامُ الشِّعْرِ كَيْ يُنْزِلَ القَطْرَا
هُوَ الحُزْنُ مَكْتُوبٌ عَلَى مِصْرَ دَائِمًا
ونَحْنُ بـِهِ أوْعَى ... ونَحْنُ بـِهِ أدْرَى !
فَواللهِ ... لَوْلا اللهُ يَعْصِمُ زَلَّتِي
لَقُلْتُ لِعِزْرَائِيلَ أنْ يَمِّمِ القَصْرا !!!
وواللهِ لَوْلا الصَّبْرُ عِنْدَ مُصِيبَتي
لَكُنْتُ كَمَا الخَنْسَاءِ حِينَ رَثـَتْ صَخْرا !
٭ ٭ ٭
قَصِيدَةُ هَذا المَسَاءْ ...
رِثـَـــاءْ ...
وبَعْضُ الرِّثـَاءِ دُعَاءْ ...
وبَعْضُ الرِّثـَاءِ ادِّعَاءْ ... !
وبَعْضُ الدُّعَاءِ عَزَاءْ ...
وبَعْضُ العَزَاءِ رِيَاءْ ... !
وبَعْضُ العَزَاءِ رِضًا بالقَضَاءْ ...
وبَعْضُ الرِّضَا بالقَضَاءِ
يُخَفِّفُ مِلْحَ الجِنَازَاتِ فـي مَوْكِبِ العُظَمَاءْ ...
وبَعْضُ الجِنَازَاتِ لَسْتَ تَرَى فيهِ غَيْرَ جُمُوعٍ مِنَ الشُّرَفَاءْ ...
وبَعْضُ الجِنَازَاتِ قَدْ يَتَنَجَّسُ إنْ سَارَ فيهِ رَسُولٌ مِنَ الرُّؤَسَاءْ ...
قَصِيدَةُ هَذا المَسَاءْ ...
رِثـَــاءْ ...
وفيهَا مِنَ الحُزْنِ أكْثـَرُ مِمَّا أُطيقُ وأكْثـَرُ مِمَّا أشَاءْ ...
قَصِيدَةُ هَذا المَسَاءْ ...
رِثـَــاءْ ...
ولَيْسَتْ كَكُلِّ الرِّثـَــاءْ ... !