) ففروا إلى الله... (
تعالوا معي ننظر إلى صبي صغير آذى أمه وأزعجها حتى نفد صبرها وهمت أن تضربه ففر منها وليس إليها بل منها ولحقت به محاولة إمساكه ولكنه فر وأفلت وما زال كذلك حتى خرج من المنزل وهي خلفه ، ثم توقفت ورجعت إلى بيتها وصار الولد يلتفت فإذا أمه ليست خلفه ففرح بذلك فرحًا شديدًا حيث نجا من الضرب ، ولكن إلى أين يتجه ؟ وإلى متى ؟ وبينما هو كذلك إذ أقبل عليه الليل يرخي سدوله فتملكه الخوف خوف الظلمة وخوف الوحدة وخوف المجهول وعلم علم اليقين أن ضرب أمه وعذابها أخف عليه مما ينتظره ، عندها قرر الرجوع إلى أمه مع ما يتوقعه من العقاب لكنه على كل حال أخف عليه من غيره ، هذا حال الغلام فما حال الأم ؟ ظلت الأم تنتظر ولدها حتى يعود وتملكها الخوف عليه حتى ندمت على تخويفه بالضرب وقالت ليتني وليتني ، وكانت بين فترة وأخرى تنظر من النافذة وأحيانًا تفتح الباب وتقول لعله يعود ولعله يرعوي ويرجع ، منشغل فكرها عليه ترى ما حدث له ؟ من أخذه ؟ أين سينام ؟ ماذا سيأكل ؟
وأما الغلام فذكرنا أنه قرر الرجوع إلى البيت ولكنه لم يجرؤ على الدخول أو طرق الباب فما زال خائفًا من أمه فجلس على عتبة الباب ، وبينما هو كذلك غلبته عيناه فنام ، وأما الأم فإنها فتحت الباب كعادتها لتنظر في الظلام ! !
ترى أين الغلام وكانت المفاجأة لقد وجدته نعم وجدته ، إنه نائم على عتبة الباب فلم تتمالك نفسها فأخذته وضمته إلى صدرها ، وصارت تلثم وجهه بالقبلات وتقول :
أي بني إن الله فطرني على محبتك وجبلني على الشفقة عليك فلا تدفعني بشقاوتك إلى مخالفة ذلك !!
أرأيتم ? يا رعاكم الله ? كيف فرحت هذه الأم برجوع ولدها إليها وتركت معاقبته ؟ أترون هذه الأم أرحم بولدها من ربنا ؟ أبدًا إن الله أرحم بنا سبحانه وتعالى
إن الإنسان مهما فعل في حياته من المعاصي والذنوب فإنه إذا تاب إلى الله تاب الله عليه..
بل إن كل شيء نخاف منه نفر منه إلا الله جل وعلا فإننا كلما خفنا منه فررنا إليه !!
قال تعالى : " فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إني لكم منه نذير مبين " .