أمسكت بالشيلة ( الطرحة ) .. وحاولت أن تلفها على رأسها ..
تقدمت بخطوات حذرة ، وقفت أمام المرآة .. تحسستها بيدها ..
دخلت أختها إلى الغرفة بعجلة: ريم هيا .. سنتأخر ..
ستدخل العروس ونحن ما زلنا هنا ..
ابتسمت ريم: أنا جاهزة أختي العزيزة ..
أريدك أن تضبطين الشيلة حيث أنني أشعر أنها غير مرتبة ..
ردت أختها: لا بالعكس تبدو ممتازة .. هيا سنتأخر ..
:
:
:
شعرت بألم الحرمان يتعاظم.. وكأن لسان حال أختها يقول:
وما يهمك أنتِ .. فالكل يعرف أنك عمياء..
ولن يهتم إن كانت شيلتك مضبوطة أم لا ..
شعرت بألم الاحتياج إلى شخص آخر ..
بالعجز عن أبسط حق وهو رؤية نفسها في المرآة ..
أخفت أحزانها وتبعت أختها وهي تقودها إلى السيارة ..
:
:
:
قامت أحلام أخت ريم بتشغيل المسجل عند دخولهما السيارة ..
تضايقت ريم .. فقد أرادت أن تسمع أصوات السيارات وضوضاء المدينة ..
هذا الصوت الذي كان يزعجها سابقاً ..أصبح المنفذ الوحيد ..
الذى من خلاله تستطيع تخيل ما يمكن أن يكون عليه المنظر من حولها..
أصبحت أذناها تقوم مقام عيناها..
سمعت صوت مكابح السيارة تقف بسرعة.. أحلام وسرعتها الجنونية ..
دائماً تحذرها من الوقوع في حادث لا سمح الله ..
عادت إلى سنة مضت وكيف كانت مثل أحلام.. تسابق البرق في قيادتها..
أفاقت وصوت أحلام يهزها : ريم هيا أمسكي بيدي .. لا نريد أن نتأخر ..
:
:
:
دخلت ريم إلى قاعة العرس .. وهى ممسكة بيد أحلام ..
تشعر بها تمشي بتبختر ..وكأنها تتعمد جذب الانتباه ..
تسلم على خالة سلمى .. وخالة شيخة ..
ومن ثم على خالة مريم .. وخالة فاطمة ..
كلهن يؤكدن على قمة جمال أحلام .. ثم ينهين حديثهن بمدح ثوب ريم ..
وكأنهن يقلن بطريقة أو بأخرى: لاعليك .. تبدين جميلة وأنت عمياء..
:
:
:
تصر ريم أن تقابل الجميع بابتسامة ..
تريد أن تقول لهم أنها راضية بقدرها وسعيدة به..
ولكنها تتقطع ألماً كلما مرت إحدى النساء لتسألها:
أتعرفينني ؟ .. أنا أم فلانة ..
كيف لا أعرفك ونبرة صوتك الرنانة تملأ أرجاء المكان ..
لماذا يذكرنها بقصورها.. لماذا تقول نبرة صوتهم: مسكينة ..
كم تكره هذه الكلمة .. وكم تطعنها نبرة الصوت تلك..
:
:
:
تقودها أحلام إلى طاولة بجانب سماعات المسجل..
كم هي المرات التي ترجت ريم أختها أن تبعدها عن المسجل ..
ولكن أحلام لا تبالي .. فصديقات العمر جالسات على تلك الطاولة ..
حاولت ريم أن تبلع ألمها وأن تشارك أحداهن الحديث..
ولكنها تشعر أن الجميع يعطونها ظهورهن ..
لا تراهن ولكنها تعلم أن هذا ما يحدث عادة ..
حاولت أن تلهي نفسها بسماع الأغاني .. ولكنها سخيفة لا معنى لها ..
تمنت لو عادت إلى غرفتها .. وإستمعت إلى بعض الأشعار ..
على الأقل لتعيش بعض الرومانسية التى تحلم بها ..
:
:
:
شعرت بيد حانية تربت على كتفها الأيمن..
عادة تمقت الأيادي الحانية .. فهي تحمل بين طياتها شفقة لاتحبها ..
لكن .. كان لهذه اليد معنى أخر ..
كانت تقول .. أنا أفهم وأقدر مقدار الألم الذي تمرين به ..
وجهت رأسها تجاه اليد .. إبتسمت وسألت : من؟ ..
رد عليها صوت أحن : أنا شمس .. قريبة والدتك ..
تذكرت وجه شمس التى تصغرها بثلاثة أعوام عندما كانت صغيرة ..
ثم ردت : أذكر شمس الصغيرة .. ما شاء الله كبرتِ ..
شمس : إيه نعم كبرت .. وصرت "حرمة" ..
:
:
:
تبادلت ريم وشمس ضحكات صافية ..
ولأول مرة منذ دخلت القاعة شعرت ريم أنها تقضي وقتاً ممتعاً ..
ولكنها فجأة تذكرت .. وعرفت لماذا تحنو عليها شمس ..
لدى شمس أخت معاقة .. تشعر شمس أن يد حانية تعني الكثير لمن يحتاجها..
تضايقت ريم.. لاتريد يد تحنو عن شفقة ..
بل تريد يداً تقول لها مرحباً بك كإنسانة ..
إستأذنت ريم بأدب وطلبت من أحلام أن تأخذها إلى طاولة أمها..
:
:
:
لم تجد كرسياُ بقرب أمها ..
فأجلستها أحلام على كرسى بعيد إلى نفس الطاولة ..
جلست .. فسمعت المرأة التي بجانبها تهمس لجارتها :
من هذه الجميلة الجالسة في طاولتنا ؟ ..
ردت جارتها: لا أعلم .. ولكنها تشبه آل راشد .. قد تكون منهم ..
إبتسمت ريم وهي فخورة بسماتها التي تشبه أباها بشدة ..
أكملت المرأة : رجاءً إسألي لي .. فإبني يبحث عن زوجة ..
وإن كانت بهذا الجمال ومن آل راشد فنعم الزوجة ..
صعقت ريم .. فلأول مرة منذ الحادث .. تشعر أنها مثل البنات..
لأول مرة تشعر أن هناك أمل ..
ولو أنها على يقين أن المرأة إن علمت بعماها .. ستغير رأيها ..
ولكن الشعور بأنها مرغوبة ولو شكلياً ..
أشعل فيها أملاً جديد ، أشعرها بأن للحياة نور ..
قامت من مقعدها .. وبثقة توجهت للطاولة السابقة وحدها ..
ووقفت تصفق مع البنات ..